السبت، 30 يوليو 2011

قصة نجاح ساندرا فيلسينشتاين

تنتشر في أنحاء العالم الآلاف من مراكز التصنيع الصغيرة للمواد الحرفية مثل المجوهرات والحقائب اليدوية والتي غالبا ما تقدم مستويات راقية من التصميم والنوعية. غير أن الغالبية من هذه المراكز والصناعات ليس لديها أدنى فكرة بشأن كيفية بيع منتجاتها في الأسواق الدولية.
في نفس الوقت تبدي منافذ البيع بالمفرد وشركات التجزئة التجارية حماسا منقطع النظير في سبيل وضع أيديها على منتجات تبدو جديدة ومختلفة، ولكنها بعيدة عنها عندما يتعلق الأمر بالعثور عليها. والقصة التاللية التي نشرتها صحيفة الفاينانشيال تايمز البريطانية تلقي الضوء على فكرة أصيلة تقوم على ربط مراكز الصناعة الحرفية بالأسواق.

الفكرة

قبل ما يزيد قليلا عن عام واحد فقط، قررت ساندرا فيلسينشتاين، البالغة 27 عاما من العمر والمهندسة الصناعية السابقة، البدء بعمل يقوم على ربط هذه المجموعات والمراكز الصناعية الصغيرة مع بعضها الآخر. وقد قامت طريقتها على أساس العثور على سلسلة من المصنعين المتميزين بنوعية عالية للمنتجات في بلدها الأرجنتين، التي تتمتع بسمعة جيدة في مجال التصميم ولكن تعاني من ارتباط ضعيف مع بقية تجارة المواد الحرفية في العالم، وربطها بمحلات وشركات توزيع في أماكن وبلدان أخرى.
وقد أسست لهذا الغرض شركة “دينكا” المؤلفة الآن من أربعة أشخاص فقط والتي اتخذت من العاصمة بوينس أيريس مقرا لها. وبدأت الشركة مؤخرا تظهر علامات على تحقيق النجاح إلا أن الطريق أمامها ما يزال طويلا.
فقد قامت
فيلسينشتاين بتنظيم صلات مع 30 شركة أرجنتينية وافقت على السماح لشركة “دينكا” بالترويج لسلعها في أسواق التصدير. وبموجب هذه الصفقة، فإن شركة “دينكا” تقوم بالعثور على مشترين لمنتجات هذه الشركات وبإدارة عمليات الشحن والقضايا الروتينية المتعلقة بالجمارك مقابل حصة من إيرادات المبيعات.
كما أرست فيلسينشتاين الأساس لإنشاء شبكة من المنافذ لشركات البيع بالتجزئة في بلدان أخرى من خلال ترتيب علاقات مع شركات بيع التجزئة في تشيلي وبيرو والأكوادور، كخطوة أولى، في نفس الوقت الذي تقوم به ببذل جهود لضم شركة “أوستين” في تكساس والتي تأمل بأن تكون الجسر الذي يوصلها إلى الأسواق الأمريكية الأكبر.
تقول فيلسينشتاين إنها تقوم أيضا “باستكشاف عدة فرص” للعثور على شركات تجارة التجزئة في أوروبا، وخصوصا في أسبانيا وإيطاليا وألمانيا وسويسرة، حيث تعتقد بأن هذه الدول يمكن أن تشكل أسواقا كبيرة بالنسبة إلى السلع المصنعة في الأرجنتين. وتنقل الفاينانشيال تايمز البريطانية عن فيلسينشتاين قولها “إن هدفنا هو تقديم بوابة للأعمال الأجنبية في نفس الوقت الذي نخفف فيه الكثير من الضغوط عن الشركات الأرجنتينية في حقل الصناعات الحرفية والمهتمة بالتصدير ولكنها تفتقر إلى الحجم والخبرات التي تمكنها من القيام بذلك”.
وثمة شخص واحد على قناعة بأن فكرة شركة “دينكا” تنطوي على فرصة كبيرة للنجاح وهي جوهانا أدكينز، مالكة شركة “زيفا 31″، ومقرها في أوستين والمختصة ببيع المجوهرات والإكسيسوارات، والتي تتعامل مع فيلسينشتاين في جلب بعض منتجات شركة “دينكا” إلى الولايات المتحدة. إذ تقول أدكينز “إن العديد من زبائني يحبون حقا هذه المنتجات. فهي مبتكرة وأصيلة تبدو وكأنها مصنوعة ليس كسلع بل كتحف فنية”.
وضعت فيلسينشتاين افكارها المشاريعية (entrepreneurial) في الممارسة بعد عدة سنوات من العمل في الفرع الأرجنتيني لشركة “جونسون أند جونسون”، الأمريكية للسلع الاستهلاكية، وبعد قضائها لفترة قصيرة من العمل في مجال التمويل والاستشارة. كما كان لديها اهتمام واضح بالتصميم إلى جانب الرغبة القوية في تحقيق النجاح بمفردها وبطريقتها الخاصة.

تواضع الأهداف

إن شركات التجهيز وشركات البيع بالمفرد التي تسعى فيلسينشتاين إلى الربط فيما بينها هي شركات صغيرة في الغالب وبمبيعات لا تتعدى عشرات الآلاف من الدولارات سنويا ونادرا ما تزيد تلك المبيعات عن المليون دولار. أما بالنسبة إلى شركة “دينكا”، فتتطع فيلسينشتاين إلى رفع مبيعاتها إلى مستوى لا يزيد عن “بضعة مئات من آلاف الدولارات سنويا” خلال الأعوام القليلة المقبلة.
ومثل هذه الأهداف المتواضعة هي أهداف اعتيادية في عالم أعمال الصناعات الحرفية التي تقوم في الغالب على بيع مواد مصنعة يدويا بضمنها المواد الفخارية والزجاجية الرسومات. ويتم شراء هذه المواد بكميات صغيرة ونادرا ما تباع المادة الواحدة منها بسعر يتجاوز 100 دولار. وغالبا ما تبذل الشركات الصغيرة العاملة في هذا المجال جهودا كبيرة من أجل العثور على منافذ البيع حتى داخل بلدانها.
يقول روبرت هيلد، مدير شركة “روبرت هيلد آرت جلاس” المتخصصة ببيع المواد الفنية الزجاجية ومقرها فانكوفر بكندا، “إن ما تحاول شركة دينكا القيام به يبدو جهدا معقولا لمساعدة الجهود التسويقية لمجموعة من الشركات التي يمثل التصدير بالنسبة لها تحديا كبيرا”. وتصدر الشركة الكندية الجزء الأعظم من منتجاتها إلى الولايات المتحدة، حيث حققت مبيعات سنوية تصل إلى نحو 1.7 مليون دولار ولكن فقط بعد نحو 30 عاما من الجهود المتواصلة.

التحديات

بيد أن فيلسينشتاين تواجه عددا من التحديات أبرزها تأسيس شبكة جيدة من المجهزين، وهي مهمة تعتقد بأنها قامت باستكمالها توا. إذ تقول “أعتقد بأن 30 شركة هو رقم جيد، ولا أتطلع الآن إلى المزيد في الوقت الحاضر”.
وإحدى الشركات المجهزة هي شركة “توتولاس” الأرجنتينية المتخصصة بالملابس الداخلية النسائية وغيرها من الملابس النسائية. وتقول كارينا جينتجوفيتش، مالكة هذه الشركة والبالغة 29 عاما من العمر، “إن ساندرا فيلسينشتاين قد كانت قادرة على تحديد بعض منافذ البيع التي لم يكن باستطاعتنا العثور عليها بأنفسنا. فبشركة صغيرة مثل توتولاس، نحن مشغولون في السعي للقيام بأحسن ما يكون في مجال تصميم وصنع منتجاتنا، وليس لدينا الوقت للتفكير كثيرا بشأن المبيعات في الأسواق الخارجية”.
وتشجع فيلسينشتاين الشركات المجهزة على إنتاج نماذج محددة من السلع التي تعتقد بأنها ستلقى قبولا واسعا خارج الأرجنتين. غير أن مثل هذا النشاط الاستشاري قد يكون صعبا على المواصلة في ظل العدد الصغير لموظفي شركة “دينكا” والعدد الكبير نسبيا للشركات المصممة والمصنعة المجهزة. لكن العلاقات مع 30 شركة تبدو حتى الآن على ما يرام . تقول ماريا ليساندرو، مالكة شركة “جوانا مارانا” المتخصصة بالمجوهرات الفضية ” أعتقد بأنني على علاقة جيدة مع ساندرا ونحن نقبل الأفكار التي تقدمها على أساس إننا جميعا نسعى إلى مساعدة بعضنا الآخر”.
وبالنسبة إلى الشركات الصغيرة مثل شركة “دينكا”، وخصوصا تلك الشركات التي تقوم بالبيع عبر الحدود وما ينطوي عليه ذلك من إنفاق كبير ومن آفاق بعيدة لتحقيق إيرادات قوية، فإن تدفق الأموال قد مثل على الدوام مشكلة كبيرة.
غير أن العقبة الأكبر التي تواجه فيلسينشتاين تتمثل في العثور على مجموعة من شركات بيع التجزئة في الخارج ترغب بشراء المنتجات التي تعرضها شركة “دينكا”. ولتجاوز هذه العقبة تبحث فيلسينشتاين عن مزيد من المنافذ من خلال الترويج لشركتها عبر الإنترنت (www.dinka.com.ar) وزيارة المعارض الحرفية وعروض الأزياء في أنحاء مختلفة من العالم بهدف إقامة الاتصالات اللازمة.
ويقف إلى جانبها في جهودها هذه وجود سوق عالمية واسعة للمواد الحرفية تحظى فيها النوعية والابتكار بقدر كبير من الاهتمام والجاذبية. كما تساعدها أيضا حقيقة أن بلادها، الأرجنتين، تعتبر مصدرا غير مستغل بشكل كامل للسلع الحرفية. إضافة إلى ذلك فإن رخص تكاليف العمل وانخفاض سعر العملة قد عززا من القدرة على بيع السلع اليدوية المصنوعة في الأرجنتين داخل الأسواق العالمية بأسعار رخيصة جدا.
وفكرة فيلسينشتاين القائمة على تأدية مهمة الوساطة للشركات المجهزة للسلع الحرفية تحظى بترحيب واسع من قبل الأعمال المختصة ببيع المواد الحرفية والفنية في الحارج. إذ تقول كلوديا ليس، فنانة السيراميك المولودة في ألمانيا والتي تمتلك محلا صغيرا للسيراميك في مقاطعة ويلز بالمملكة المتحدة، إنها تبذل ومنذ عدة سنوات جهودا كبيرا في السعي للعثور على وكالات تجارية أو حكومية يمكن أن تساعدها في بيع منتجاتها في خارج بريطانيا. وتضيف “لو كانت هناك شركة مثل دينكا تعمل في المملكة المتحدة، فإنني بالتأكيد سأتصل بها لكي أعرف كيف بإمكانها أن تساعدني”.

التمويل على مراحل

بالنسبة إلى المشاريعيين (entrepreneurs) في جميع أنحاء العالم، يعد توفر المال النقدي شرطا لا بد منه. وبالنسبة إلى شركة “دينكا”، الموزعة للمنتجات الحرفية، فإن صعوبة تأمين ما يكفي من التدفق النقدي لتغطية المصروفات تكون أكبر بسبب الحاجة إلى تمويل زيارات باهظة التكاليف إلى أسواق خارج الأرجنتين من أجل العثور على منافذ لبيع سلع الشركات المجهزة.
غير أن ساندرا فيلسينشتاين التي تتولى منصب المدير العام للشركة قد وجدت طريقة لتجاوز هذه المشكلة من خلال تبني مبدأ التطوير “الممرحل”، اي على مراحل لشركة “دينكا”. فمنذ أن تم تدشين الشركة قبل ما يزيد عن عام، استطاعت “دينكا” بناء مبيعات سنوية تصل إلى 20 ألف دولار، وهو رقم متواضع تأمل فيلسينشتاين زيادته في السنوات القليلة المقبلة.
وتأتي إيرادات الشركة من منافذ بيع التجزئة في الخارج والتي تقوم بشراء منتجات شبكة “دينكا” من الشركات الأرجنتينية البالغ عددها 30 شركة. إذ تقوم شركة “دينكا” بشراء منتجات هذه الشركات “بأسعار التوزيع” لتبيعها بأسعار أعلى إلى شبكات بيع التجزئة.
وخلال السنة الأولى من نشاطها، جاء الجزء الأكبر الإيرادات من المبيعات في الدول المجاورة مما ساهم في الحفاظ على مستويات منخفضة للمبيعات والإنفاق الترويجي. وتقول فيلسينشتاين “أتوقع خلال عام 2007 أن نكون قادرين على توسيع مدى عملياتنا مما يعني زيادة أحجام المبيعات، وهو ما يمنحنا المزيد من المال للقيام بحملات تسويق في مناطق أبعد، وخصوصا في أوروبا والولايات المتحدة”.
ومن خلال التوسع على مراحل، تأمل فيلسينشتاين أن تكون قادرة على تمويل جهود تسويقة أكبر باستخدام الأموال الناجمة من زيادة الإيرادات. وفي حالة سير الأمور حسبما هو مخطط فإن المال البالغ 40 ألف دولار المسستخدم في تمويل نشاط الشركة، والذي جاء من استثمار لشريك لفيلسينشتاين لم يود الكشف عن هويته، سيتم إسترجاعه بشكل تدريجي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق